فصل: ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ذكر القبض على بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر

كان المذكور قد هرب من قلعة الجبل عند وصول مولانا السلطان إلى الصالحية وأخذ منها جمـلاً كثيرة من الأموال والخيول وتوجه إلى جهة الصعيد فلما استقر مولانا السلطان بقلعة الجبل أرسل إليه وارتجع منه ما أخذه من الخزائن بغير حق ثم إن بيبرس المذكور قصد المسير إلى صهيون حسبما كان قد سأله فبرز من أطفيح إلى السويس وسار إلى الصالحية ثم سار منها حتى وصل إلى موضع بأطراف بلاد غزة يسمى العنصر قريب الداروم وكان قراسنقر متوجهـاً إلـى دمشق نائباً بها على ما استقر عليه الحال فوصل إليه المرسوم بالقبض على بيبرس الجاشنكير فركب قراسنقر وكبسه بالمكان المذكور وقبض عليه به وسار به إلى جهة مصر حتى وصل إلى الخطارة فوصل من الأبواب الشريفة السلطانية أسندمر الكرجي وتسلم بيبرس الجاشنكيـر من قراسنمر وأمر قراسنقر بالعود فعاد إلى الشام فوصل أسندمر بيبرس الجاشنكير فحال وصوله إلى قلعة الجبل اعتقل يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة من هذه السنة فكان آخر العهد به وكانت مدة سلطنة بيبرس المذكور الملقب بالملك المظفر أحد عشر شهراً‏:‏ تفانى الرجال على حبهـا وما يحصلـون علـى طائـل وفيها غلب ببان بن قبجي على مملكة أخيه فاستنجد وطرده عنها واتفق موت كبلك عقيب ذلك وخلف ولداً اسمه قشتمر بن كبلك فاستنجد قشتمر وطرد عمه ببان واستقر في ملك وفيها وردت الأخبـار بـأن الفرنـج قصـدت ملـك غرناطـة بالأندلـس وهـو نصـر ابـن محمـد بـن الأحمر فاستنجد بسليمان المريني صاحب مراكش واتقع ابن الأحمر مع الفرنج‏.‏

وفيها تزوج خربندا ملك التتر ببنت صاحب ماردين الملك المنصور غازي ابن قرا أرسلان وحملت إليه إلى الأردو‏.‏

وفيها في يوم الأربعاء خامس ذي الحجة حضر مهنا بن عيسى إلى حماة وطلب توفيق الحال بيني وبين أخي بسبب حماة فلم يتفق حال‏.‏

وفيها في ثامن عشر ذي الحجة حضر بدر الدين تتليك السديدي إلى حماة وحكم فيها نيابة عن أسندمر وحضر صحبته من السلطان أسندمر وبقي الانتظار حاصلاً لقدوم أسندمر إلى حماة‏.‏

وفيها في يوم الاثنين الرابع والعشرين من ذي الحجة خرجت من حماة مظهراً أني متوجه إلى دمشق لملتقى أسندمر فأرسلت في الباطن أسأل من صدقات مولانا السلطان أن يمكني من المقام بدمشق ومفارقة حماة فإنه قد كان استحكم في خاطر أسندمر من عداوتي فخشيت من المقام بحماة تحت حكم المذكور فتركتها وسرت إلى دمشق ودخلتها في يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ووصل أسنبغا مملوكي من الأبواب الشريفة يوم الأربعاء رابع المحرم من سنه عشر وسبعمائة بمقامي بدمشق وتصدق علي السلطان بخلعة كرودوحـش وكلوتـه رزنـش ورسـم لـي بغلـة مـن حواصـل دمشـق وأن أقيـم بدمشق ويكون خبزي بحماة مستقراً علي وكذلك أجنادي وأمرني فاستقريت بدمشق ونزحت عن حماة‏.‏

  ثم دخلت سنة عشر وسبعمائة

ذكر وصول أسندمر إلى دمشق متوجهاً إلى حماة فـي هـذه السنـة فـي يـوم الثلاثاء العاشر من المحرم وصل أسندمر من الأبواب الشريفة متوجهاً إلى حماة نائباً بها وكنت حينئذ مقيماً بدمشق كما ذكرنا فخرجت إلى الكسوة والتقيته ووجدت عنده لمقامي بدمشق وخروجي عن حكمه أمراً عظيماً وأخذ يخدعني ويستميلني ويطيـب خاطـري ويسألنـي المسيـر معـه إلـى حمـاة فلـم أجبـه إلـى ذلـك فدخـل إلـى قراسنقـر وسأله في إرسالي صحبته طوعاً أو كرهاً فأجابه أن السلطان رسم بمقامه بدمشق فلا يمكـن خلـاف ذلـك فأقـام أسندمر بدمشق أياماً قلائل وتوجه إلى حماة ودخلها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من المحرم من هذه السنة‏.‏

كان سلار بالشوبك وقد عزم على الهروب منهـا فأرسـل السلطـان إليـه واستدعـاه بعـد أن عرض عليه المسير إلى حماة ويكون نائباً بها ورسم لأسندمر فسار مـن حمـاة إلـى دمشـق وأخلى حماة لأجل سلار وترددت المراسلات إليه فحضر سلـار إلـى الأبـواب الشريفـة بديـار مصر في سلخ ربيع الآخر من هذه السنة وقبض على سلار المذكور فكان آخر العهد به واحتيط على غالب موجوده لبيت المال وكان شيئاً كثيراً‏.‏

ذكر استقراري بحماة وعودها إلى البيت التقوي وما يتعلق بذلك‏:‏ وفي هذه السنة توفي الحاج بهادر النائب بالسواحل الشامية في يوم الثلاثاء لعشرين من ربيع الآخـر ووصـل مهنـا بـن عيسـى إلـى دمشق وتوجه منها إلى مصر في يوم السبت ومستهل جمادى الأولـى وكـان السلطـان حريصاً إلى إنجاز ما وعده بأن يقيمني بحماة وتأخر ذلك بسبب مداراته لأسندمر وغيره فلما اتفق موت الحاج بهادر ووصول مهنا بن عيسـى إلـى الأبـواب الشريفـة أعطى مولانا السلطان نيابة السلطنة بالسواحل والفتوحات لأسندمر وتصدق علي بحماة والمعرة وباريـن وأرسـل تقليـد أسندمـر بالسواحل مع منكوتمر الطباخي فوصل إلى دمشق في يوم الأحد الثالث والعشرين من جمادى الأولى وسار إلى حماة فلم يجب أسندمر إلى المسير إلى الساحل وامتنع من قبول التقليد والخلعة ورد التقليد صحبة منكوتمر المذكور فعاد به إلى دمشق واتفق عند ذلك موت سيف الدين قبجق نائب السلطنة بحلب في يوم السبت سلخ جمادى الأولى فلما وصل خبر موته إلى الأبواب الشريفة أنعم السلطان بنيابة السلطنة بحلب على أسندمر موضع سيف الدين قبجق وأنعم على جمال الدين أقوش الأفرم بنيابة السلطنة بالفتوحات ونقله من صرخد إليها واستقرت حماة للعبد الفقير إلى الله تعالى إسماعيل بن علي مؤلـف هـذا الكتاب ووصل إلي بدمشق التقليد الشريف بحماة صحبة الأمير سيف الدين جلس الناصري السلمدار وأعطيت حماة في هذه المرة على قاعدة النواب وكان تاريخ التقليد في ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشر وسبعمائة حسب المرسوم الشريف وخرجت من دمشق متوجهاً إلى حماة وصحبتي الأمير سيف الدين قجلس المذكور في يوم الأربعاء الثامن عشر من جمادى الآخرة وأسندمر مقيم بحماة وهو في أشد ما يكون من الغضب بسبب فراق حماة وكوني قد شملتنـي الصدقـات الشريفـة السلطانيـة حتـى أنـه عـزم أن يقاتلنـي ويدفعني عنها وكان قد طلع جميع العسكر الحموي إلى لقائي والتقوني قاطع حمص ووصل إلى أسندمر مملوكه سنقر من الأبواب الشريفة وخوفه من عاقبة فعله فتوجه أسندمر من حماة ضحى يوم الاثنين المذكور ودخلت إلـى حمـاة عقيـب خروجـه منهـا فـي النهـار المذكور وكان استقراري في دار ابن عمي الملك المظفر بحمـاة بعد الظهر من نهار الاثنين الثالث والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة عشر وسبعمائة الموافق السادس عشر كانون الثاني وكان خروج حماة عن البيت التقوي الأيوبي عند موت السلطان الملك المظفر صاحب حماة في يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة مـن سنـة ثمان وتسعين وستمائة وعودها في تاريخ التقليد وهو ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشر وسبعمائة فيكون مدة خروجها من البيت التقوى إلى أن عادت إليه إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوماً‏.‏

ولنذكـر جملـة مـن أخبـار حمـاة وقـد ذكـرت فـي أخبـار داود وسليمـان فـي الكتب الأربعة والعشرين التي مع اليهود ثم صارت بلدة صغيرة حتى صارت من الأعمال ثم إن اسطيتينوس ملـك الـروم بنـى أسـوار حمـاة فـي أول سنـة من ملكه وفرغ منها في سنتين وبقيت مع الروم حتى فتحهـا أبو عبيدة بن الجراح بالأمان بعد فتوح حمص وبقيت مضافة إلى حمص وتواردت عمال الخلفاء الراشدين على حمص حتى ملكت بنو أمية وأقاموا بدمشق فتواردت عمالهم عليها ثم لما صارت الدولة لبني العباس تواردت عمالهم علـى حمـص أيضـاً وعلـى حمـاة وغيرهـا ثـم استولت القرامطة على حماة وقتلوا فيها مقتلة كبيرة من أهلها ثم صارت لصالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب ثم صارت للأمير سهم الدولة خليفة بن جيهان الكردي ثم صارت لشجاع الدولة جعفر بن كلند والي حمص وفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة تقدم خلف بن ملاعب صاحب حمص قلعة حماة ثم أقطع السلطان ملكشاه حماة لأقسنقر مضافة إلى حلب وبقيت له إلى أن قتله تنش ثم صارت حماة لمحمود بن علي بن قراجا وكان ظالماً ثم صارت حماة لطغتكين صاحب دمشق ثم صارت للبرسقي ثم لولده عز الدين مسعود بن أقسنقرالبرسقي ثم صارت لبهاء الدين سونج بن بوري بن طغتكين ثم صارت لعماد الدين زنكـي بـن أقسنقـر ثـم ارتجعهـا منـه شمـس الملـوك إسماعيـل بن بوري بن طغتكين ثم استولى عليها عماد الدين زنكي ثم صارت حماة لنور الدين محمود بن زنكي ثم صارت لولده الملك الصالح إسماعيل بن محمود ثم صارت لصلاح الدين يوسف بن أيوب ثم أعطاها لخاله شهاب الدين محمود الحارمي بن تكش ثم صارت للملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ثم صارت لولده الملك المنصور محمد بن عمر ثم صارت لولده الملك الناصر قليج أرسلان بن محمد ثم صارت لأخيه الملك المظفر محمود بن محمد ثم صارت لولده الملك المنصور محمد بن محمود ثم صارت لولده الملك المظفر محمود ثم خرجت عنهم فتولى فيها قراسنقر زين الدين كتبغـا ثـم سيـف الديـن قبجـق ثـم سيـف الديـن أسندمـر ثـم صـارت لمؤلـف هـذا الكتـاب ولنرجع إلى بقية حوادث هذه السنة أعني سنة عشر وسبعمائة‏.‏

ولما قاربت حماة ونزلت الرستن ألبسني الأمير سيـف الديـن قجليـس التشريـف السلطانـي وهـو أطلـس أحمـر بطـراز زركـش فوقانـي وتحتـه أطلـس أصفـر وكلوتـه زركـش وشاش رقم ومنطقة ذهب مصري وسيف محلى بذهب مصري وأركبني حصاناً برقياً بسرجه ولجامه ودخلت حماة بذلك وقرئ التقليـد الشريـف بحضـور النـاس وأعطيـت الأميـر سيـف الديـن المذكـور أربعيـن ألـف درهـم وأوصلته بالخلع والخيول وتوجه من حماة في يوم الأحد التاسع والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة واتفق لي شيء عجيب وهو أن مولدي بدمشق في جمادى ووصلني تقليد حماة بدمشق في جمادى وأقمت بحماة وحصلت التقدمة على جاري عادة أهلي وأرسلت سألت مـن صدقـات السلطان دستوراً بالتوجه إلى الأبواب الشريفة فرسم لي بذلك فخرجت من حماة في مستهل شوال من شهور هذه السنة ودخلت مصر وحضرت بين يدي المواقف الشريفة يوم الثلاثـاء مستهـل ذي القعـدة مـن هـذه السنـة وقدمـت التقدمـة فـي غـد ذلـك اليـوم فشملتنـي الصدقات بقول ذلك ثم أفاض علي وعلى جميع من كان في صحبتي الخلع وتصدق علي بالمركـوب والنفقـة وأعادني إلى بلدي بحبور الحبور فوصلت إلى حماة في يوم الثلاثاء السابع ذي الحجة من هذه السنة الموافق للسابع والعشرين من نيسان‏.‏

توفـي أبـو الربيـع سليمـان بـن عبـد اللـه بـن أبـي يعقـوب يوسـف فـي منتصف هذه السنة وجلس في الملـك بعـده عـم أبيـه أبـو سعيـد عثمـان بـن أبـي يوسـف يعقـوب ابن عبد الحق في شهر رجب من هذه السنة واستقرت قدمه في الملك‏.‏

ذكر القبض على أسندمر نائب السلطنة بحلب كان السلطان قد جرد عسكراً مـع كـراي المنصـوري وشمـس الديـن سنقـر الكمالـي فسـاروا وأقاموا بحمص ولما وصلت إلى حمـاة عائـداً مـن الأبـواب الشريفـة ركبـوا مـن حمـص وساقـوا ليكبسوا أسندمر بحلب ويبغتوه بها فإنه كان مستشعراً لما كان قد فعله من الجرائم وأرسل كـراي المذكـور إلي يعلمني بمسيرهم وأن أسير بالعسكر الحموي واجتمع بهم لهذا المهم فخرجت من حماة يوم الخميس تاسع ذي الحجة من هذه السنة وهو ثالث يوم من وصولي من الأبواب الشريفة ونزلت بالعبادي وسقنا نهار الجمعة وبعض الليل ووصلنا إلى حلب بعد مضي ثلثي الليلة المسفرة عن نهار السبت حادي عشر ذي الحجة واحتطنا بدار النيابة التي فيها أسندمر تحت قلعة حلب وأمسكناه بكرة السبت واعتقل بقلعة حلب وجهز إلى مصر مقيداً في يوم الأحد ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة ووصل إلى مصر فاعتقل بها ثم نقل إلى الكرك وكان آخر العهد به واحتيط على موجوده من الخيل والقماش والسلاح وكان شيئاً كثيراً وحمل جميـع ذلـك إلـى بيـت المـال واستمـر كـراي والكمالـي ومـن معهمـا مـن العساكـر والعبـد الفقيـر إسماعيل بن علي مقيمين بحلب حتى خرجت هذه السنة‏.‏

وفيها توفي نجم الدين أحمد بن رفعة بديار مصر وكان من أعيان الفقهاء الشافعية وشرح التنبيه في نحو عشرين مجلد ونقل عليه شرح الوجيز الذي للرافعي‏.‏

وفيها في يوم الأحد سابع عشر رمضان توفي بتبريز القاضي قطب الدين محمود بن مسعود وكـان مولـده بمدينـة شيـزر في صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة فيكون مدة عمره ستاً وسبعين سنة وسبعة أشهر وكان إماماً مبرزاً في عدة علوم مثل العلم الرياضي والمنطق وفنون الحكمة والطب والأصوليين‏.‏

وله عدة مصنفات منها‏:‏ نهاية الإدراك في الهيئة وتحفة السامي في الهيئة أيضاً وشرح مختصر ابن الحاجب في الفقه ومصنفاته وفضائله مشهورة‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمائة

ذكر وفاة طقطغا وملك أزبك فـي هـذه السنـة ظنـاً أعنـي سنـة عشـر أو سنـة إحدى عشرة وسبعمائة توفي طقطغا بن منكوتمر بـن طغـان بـن باطـو بن دوشي خان بن جنكزخان ملك التتر بالبلاد الشمالية التي كرسي ملكها صراي وقد تقدم ذكر ملكه في سنة تسعين وستمائة ولما مات طقطغا المذكور ملك بعده أزبك بن طغريشاه بن منكوتمر بن طغان بن ياطوخان بن دوشي خان بن جنكزخان واستقر أزبك المذكور ملكاً بتلك الجهات‏.‏

ذكر نفل قراسنقر من نيابة السلطنة بدمشق إلى حلب وولاية كريه المنصوري دمشق وإعطاء العساكر الذين بحلب الدستور‏:‏ فـي هـذه السنـة لمـا قبـض علـى أسندمـر سـأل قراسنقـر نائـب السلطنـة بدمشـق مـن مولانـا السلطان أن ينقله إلى نيابة السلطنة بالمملكة الحلبية لأنه كان قد طال مقامه بها وألف سكنى حلب فرسم له بذلك وحضر تقليده بولاية حلب مع الأميـر سيـف الديـن أرغـون الـدوادار الناصـري وسـار فـي صحبتـه من دمشق متوجهاً إلى حلب وحصل عند قراسنقر استشعار من العسكـر المقيميـن بحلـب لئـلا يقبضـوا عليه وبقي المقر السيفي أرغون الدوادار الناصري المذكور يطيب خاطر قراسنقر ويحلف له على عـدم توهمـه ويسكنـه ويثبـت جأشـه حتـى وصل إلى حلب وركبت العساكر المقيمون بحلب لملتقاه فالتقيناه ودخل حلب في يوم الاثنين ثامن عشر المحرم من هذه السنة واستقر في نيابة السلطنة بحلب وأعطي المقر السيفي أرغون الناصري عطاء جزيلاً وسفّره وسـار المقـر السيفـي أرغـون المذكـور مـن حلـب يـوم الأربعـاء لعشرين من المحرم وتوجه إلى الديار المصرية‏.‏

فأقمنا بعد ذلك مدة ثم ورد الدستور إلى العساكر المقيمة بحلب فسرنا منها في يوم الجمعة الحـادي والعشرين من صفر عائدين إلى أوطاننا ودخلت حماة في يوم الاثنين الرابع والعشرين من صفر من هذه السنة الموافق الثاني عشر تموز وأتمت العساكر المصرية والدمشقية المسير إلى بلادهم ولما انتقل قراسنقر من دمشق إلى حلب أنعم السلطان بنيابة السلطنة بالشام علـى سيف الدين كريه المنصوري ووصل إليه التقليد بذلك فاستقر فيها‏.‏

ثم بعد مدة قبض على كريه المنصوري ورتب في نيابة السلطنة بالشام أقرش الذي كان نائباً بالكرك‏.‏

ذكر مسير قراسنقر إلى الحجاز وعوده من أثناء الطريق وهربه وفيها سأل قراسنقر دستوراً إلى الحجاز الشريف لقضاء حجة الفرض فرسـم لـه السلطـان بذلك فعمل شغله وسار من حلب في أوائل شوال من هذه السنة ولم يسر على الطريـق وسار على طرف البلاد من شرقيها حتى وصل إلى بركة زيزا فحصل عنده النخيل والخوف من الركب المصري لئلا يقبضوا عليه في الحجاز فعاد من بركة زيزا على البرية وسار على البر إلى أركة والسخنة ثم إلى بر حلب واجتمع مع مهنا بن عيسى أمير العرب واتفقا على المشاققة والعصيان وقصد قراسنقر حلب ليستولي عليها فاجتمع العسكر والأمراء الذين بها ومنعوه من الدخول إليها ووصل من صدقات السلطان إلى قراسنقر ومهنا ما يطيب خاطرهما فلم يرجعا عن ضلالهما وأصرا على ذلك فجرد السلطان عسكراً مع المقر السيفي أرغون الدوادار الكردي ومع الأمير حسام الدين قرالاجين بسبب قراسنقر المذكور بحيث إن رجع عن الشقاق والنفاق يقرر أمره في مكان يختاره وإن لم يرجع عن ذلك يقصده العسكر حيـث كان ووصل العسكر المذكور إلى حماة في يوم السبت سادس ذي الحجة من هذه السنة الموافق لنصف نيسان‏.‏

وسـرت بصحبتهـم في عسكر حماة وتوجهنا إلى البرية ونزلنا بالحمام بالقرب من الزرقاء في يوم الخميس الحادي عشر من ذي الحجة من هذه السنة فاندفع قراسنقر إلى الفرات وأقام هناك وافترقـت مماليكه فبعضهم سار إلى التتر وبعضهم قدم إلى الطاعة ثم توجه قراسنقر إلى جهة مهنـا فعـادت العساكر من الخام إلى حلب وكان دخولنا إلى حلب في يوم الأحد رابع عشر ذي الحجـة مـن هـذه السنـة‏.‏

ثـم كـان مـا سنذكـره إن شـاء اللـه تعالـى وفـي جمـادى الاولى من هذه السنة قبض على سيف الدين بكتو الجوكندار نائب السلطنة وأقام مولانا السلطان مقامه في نيابة السلطنة الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار المنصوري‏.‏

وفيها حضرت رسل سيس بالأرزاق المقـدرة عليهـم فـي كـل سنـة وأحضـروا لنـواب الشـام التقادم على جاري العادة وأحضروا لي بغلاً وقماشاً وخرجت هذه السنة والحكام فيها على ما أصفه مولانا السلطان الأعظم الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد ابن السلطان الملـك المنصـور قلـاوون الصالحـي سلطـان الإسلـام بمصـر والشـام ومـا هـو مضاف إليهما والحجاز ونائب السلطنة ركن الدين بيبرس الدوادار صاحب التاريخ المسمى بزبدة الفكرة في تاريخ الهجرة والنائب بالشام جمال الدين أقوش الذي كان نائباً بالكرك وقراسنقر قد أظهر الشقاق وانضم إلى مهنا بن عيسى أمير العرب وهو متردد في البراري على شاطئ الفرات والحكم بحلب إلى المشدين والنظار وليس بها نائب وقطلوبك بصفد‏.‏

فإن النائب بصفد كان بكتمر الجوكندار انتقل إلى مصر على ما تقدم ذكـره فولـى السلطـان صفـد سيـف الديـن قطلوبـك وإسماعيل مؤلف هذا الكتاب بحماة وما هو مضاف إليها وهو المعرة وبارين وباقي الأطراف مثل‏:‏ البيرة والرحبة وغزة وحمـص وقلعـة الـروم وغيرهـا مـن مواطـن النيابـة جميعهـا فيهـا مماليـك السلطـان أو مماليـك والـده أو مماليـك مماليـك والده وجميعهم مرتبون من الأبواب الشريفة على ما تقتضيه آراؤه العالية وأما الأطراف البعيدة فصاحب ماردين الملـك المنصـور نجم الدين غازي ابن الملك المظفر قرا أرسلان ابن الملك السعيد نجم الدين غازي ابن الملك المنصور ناصر الدين أرتق بن قطب الدين أيلغازي بن إلبي بن حسام الدين تمر تاش بن نجم الدين أيلغازي بن أرتق‏.‏

وقد تقدم أخبار ملوك ماردين مساقة إلى سنة ثمانين وخمسمائة ثم ذكرنـا أخبارهـم فـي سنـة سبـع وثلاثيـن وستمائـة وصاحـب اليمـن الملـك المؤيد شرف الدين داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول وملك التتر بالعراقين وكرمان وخراسان وديار بكر والروم وأذربيجـان وغيرهـا خربنـدا بـن أرغون بن أبغا بن هولاكو ابن طلو بن جنكزخان وسار قبجي ملـك تركستـان بمـا وراء النهـر وصاحـب التخـت بالصيـن القائـم مقـام جنكزخـان سرقيـن بن منغلاي بن قبلاي بن طلو بن جنكزخان وملك التتر ببلاد الشمال التي كرسي ملكها صراي أزبك بن طغريشاه بن منكوتمر ابن طغان وملك التتر بغزنة وباميان منطغاي بن قبجي بن أردنـو بن دوشي خان بن جنكزخان وملك المغرب أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المربني وملك غرناطة بالأندلس أبو الجيوش نصر بن محمد بـن الأحمـر وصاحـب تونـس أبـو البقاء خالد بن زكريا بن يحيى بن أبي حفص‏.‏

والأشكري ملك قسطنطينية أندر ونيقوس

  ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة

ذكر هروب الأفرم واجتماعه بقراسنقر ثم مسيرهما إلى خربندا‏:‏ وفـي هـذه السنـة قصـد أقـوش الأفـرم نائـب السلطنـة بالفتوحـات أن يحـدث خلافـاً وأن يجمـع الناس عليه فهرب إليه حموه أيدمر الزردكاش من دمشق وانضم إليه من لايق به وسار من دمشق واجتمع بالأفرم بالساحل وقصدوا من عسكر الساحل ومن غيرهم الموافقة لهم على ضلالهم فلم يوافقهم أحد فلما رأى الأفرم ذلك هرب من الساحل وخرج على حمية وعبـر علـى الغولـة بيـن دمشـق وحمـص‏.‏

وسـار فـي البريـة واجتمـع بقراسنقـر فـي شهـر المحـرم من هذه السنة وكان بعض العساكر مع الأمير سيف الدين أركتمر على حمص فساق خلف الأفرم فلم يلحقه وكان على حلب العسكر المقدم ذكره في السنة الماضية صحبة الأمير سيف الدين أرغون الدوادار فلما بلغنا هروب الأفرم واجتماعـه بقراسنقـر وهـم قريـب سلميـة وقـع آراء الأمـراء على الرحيل من حلب والمسير إلى جهة حمص وسلمية فرحل الأمير سيـف الديـن أرغـون الكردي والأمير حسام الدين قرا لاجين ومؤلف هذا المختصر بعسكر حماة من حلب وسرنا ووصلنـا إلـى حمـاة فـي ثانـي عشـر المحـرم مـن هـذه السنـة ووصلـت باقـي العساكـر وسرنـا من حماة في يوم الثلاثاء خامس عشر المحرم الموافق للثامن والعشرين من أيار ونزلنا بظاهر سلمية وقصد قرابشقر والأفرم كبس العسكر بالليل لظنهما أن فيهم مخامرين وأنهم يوافقونهم على ذلـك فلـم يوافقهم أحد على ذلك فرجعوا عن ذلك وسار قراسنقر والأفرم ومن معهما إلى جهة الرحبة فاتفـق آراء الأمـراء علـى تجريد عسكر في إثرهم فجردوا العبد الفقير إسماعيل بن علم بعسكر حماة وكذلك جردوا من المصريين الأمير سيف الدين قلي بمقدمته وغيره من المقدمين المصريين والمقدمين الدماشقة فسرنا من سلمية في يوم الخميس سابع عشر المحرم من هذه السنة إلى القسطـل ثـم إلـى قديـم ثم إلى عرض ثم إلى قباقب ثم إلى الرحبة ووصلنا إليها في يوم الأحد الثامن والعشرين من المحرم فلما وصلنا إلى الرحبة اندفع قراسنقر ومن معه إلى جهة رومان قريب عانة والحديثة فما أمكنا المضي خلفه إلى تلك البلاد بغير مرسوم فأقمنا بالرحبة ثم رحلنا منها عائدين في مستهل صفر الموافق لثامن حزيران من هذه السنة وسرنا إلـى المقـر السيفي أرغون الدوادار وكان قد سار من سلمية إلى حمص فوصلنا إلى حمص فـي يـوم الخميـس ثامـن صفـر مـن هـذه السنـة ثـم إن المقـر السيفـي رأى أن حمـاة قريبـة وليـس بمقامـي بعسكر حماة على حمص فائدة فاقتضى رأيه سيري إلى حماة فسرت إلى حماة ودخلتها يوم الاثنين ثاني عشر صفر واستمر العسكر مقيمين بحمص ثم إن قراسنقر والأفرم طال عليهما الحال وكثر ترداد الرسل إليهما في إطابة خواطرهما وهما لا يزدادان إلا عتواً ونفـوراً حتـى سارا إلى التتر واتصلا بخربندا في ربيع الأول من هذه السنة وكذلك أيدمر الزردكاش ومن انضم إليهم‏.‏